الأساس العلمي والفيزيولوجي للإدمان (1) :
الإدمان على استخدام الجهاز الجوال كغيره من أشكال الأدمان يَشعر المرء معه أنه بحاجةٍ مستمرةٍ لاستخدام جواله دون أن يُحقق له ذلك السعادة لكنه يشعر بالضيق حينما يبتعد عنه.
الإدمان مصطلح طبي وسلوكي جامعٌ لطيفٍ واسعٍ من الاضطرابات والمشاكل الصحية والاجتماعية ، يمتلك أساساً فيزيولوجياً مشتركاً إلى حدٍ ما رغم اختلاف العامل المرتبط المسبب لفعل الإدمان , أكان ذلك العامل مادياً كالإدمان الدوائي أو معنوياً كالإدمان على الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة المواد الإباحية .
وليست جميع أشكال الإدمان على نفس الدرجة من الاستنكار الديني والاجتماعي , لكنها جميعاً تُمثل تهديداً جدياً في حياتنا على الأقل من الناحية الإنتاجية بادئ الأمر ، لتتطور المشكلة لاحقاً إلى اضطرابات اجتماعية وسلوكية تزداد تعقيداً مع الوقت.
وكي لا نضيع في تفاصيل الكيمياء الحيوية يكفي تبسيط آلية الإدمان بأن التَّعرُض لتلك المواد ماديةً كانت أم معنوية يَغمُر أدمغتنا بمجموعةٍ من النواقل العصبية على رأسها الدوبامين فيمنَحُنا شعوراً بالنشوة , لكن ذلك لا يَلبث طويلاً حيث يخضع الأمر لمفهوم التنظيم الأدنى للمستقبلات المُنَبَّهة بتلك الوسائط الكيماوية , وهو مبدأ حيوي معروف تماماً يعتمد على وجود تناسب عكسي بين كمية المواد المُنَبِّهة وعدد مستقبلاتها كنوع من آليات الدفاع الذاتي , فإن كان المنبه شديداً انخفضت عدد مستقبلاته على سطح الخلايا الهدف ، وإن كان المنبه خفيفاً تضاعفت تلك المستقبلات لالتقاط أدنى تركيز من المواد المنَبِّهة.
والذي يحصل أثناء الإدمان على منبهٍ مثير فإن آليات التنظيم الأدنى تتفعل لتُخفِّض من عدد تلك المستقبلات , فيُصبح المدمن بحاجةٍ لمنبه أقوى فعلاً وأطول زمناً لتحقيق ذات مستوى الإثارة بعملية تراكمية تصل في مرحلة ما إلى ذروتها بحيث لا يستطيع المدمن تأمين المستوى المطلوب من المنبه الذي يُحرض لديه النشوة ، وبالمقابل يعاني من تأثير سحبه فيشعر بالحاجة المُلِحة للعودة إليه والشهوة له في حلقة تضخيم مستمرة تهوي بالمريض دون أن تحقق له عندها أية رضى أو سعادة.
إن هذا المفهوم ينطبق تماماً على نواحي سلوكية عدة مُنتشرة في حياتنا نعتبرها أقل سوءً من إدمان الجنس والمخدرات كإدماننا على استخدام أجهزتنا المحمولة , لكن التأثير الضار السلوكي والاجتماعي قد يكون في نهاية المطاف واحداً تماماً , وقد يبدأ الضرر من إضاعة الوقت -وهو أثمن ما نملك- وصولاً إلى الغوص في البلايا والموبقات.
هل حقاً أنا مُدمن ؟
من خلال مجموعةٍ بسيطة من الأسئلة قد تستدل على أنك لربما تُعاني من الإدمان على استخدام الجوال
لمَّا كانت آلية الإدمان واحدة , فقد وجَدتُ أنه من المفيد الاستعانة بواحدٍ من أبسط معايير تشخيص الإدمان الكحولي ويدعى CAGE questionnaire (2) , وقد قُمت بتعديل ذلك إلى استبيان مَسحي سهل الاستخدام يقترح وجود مشكلة الإدمان على استخدام الأجهزة المحمولة.
فلو سألتك :
- هل فكرت يوماً بأن عليك التخفيف من استخدامك لجهازك المحمول؟
- هل تنزعج في بعض الأحيان من النقد الذي يُوجَّه إليك من الآخرين لكثرة استخدامك لجهازك الجوال؟
- هل شعرت مرةً بالذنب من أنك تضيع وقتك في أثناء استخدامك لجهازك المحمول؟
- هل تُمسك أحياناً بجهازك الجوال أول ما تفتح عينيك من النوم؟
فإن كانت إجابتك بـ " نعم " على اثنين أو أكثر من الأسئلة السابقة .. فإنك على الأرجح تعاني للأسف من الإدمان على استخدام جهازك المحمول ولربما أنت بحاجةٍ لتدارك الأمر في أقرب فرصة , لكن لا تقلق سأُحاول مساعدتك على ذلك..
عَشْرُ نصائح قد تساعدك على حل المشكلة :
بعض النصائح قد تكون مفيدة في التخلص من الإدمان على استخدام أجهزة الجوال
سأُحدِّثكم عن عشر نصائح جمعتها لكم قد تساعد في التغلب على هذا الابتلاء..
- أدرك وجود المشكلة واستعن بالله على حلها : أول خطوات الحل تكمن في استشعارك لخطورة الأمر وعزمك على التخلص من قيده مستعيناً بالله على ذلك.. وإن هذه القضية قد تمثل بلاءً عاماً فلا تخجل من أنك تحاول الشفاء منها.
- الفراغ رأس كل إثمٍ وبلية : لا أجد شيئاً محرضاً على الفساد كالذي يُحدِثه الفراغ ، فمن يُشغِل وقته بما هو مهم لن يجد الإدمان فسحة للتسلل إليه.. ونفس الإنسان وهمته تمتلك مرونةً كبيرة ، كلما أضفت مزيداً من المهام ليومك وجدت وقتاً مناسباً لكل ذلك.
- حدد لنفسك أهدافاً يومية واقعية قصيرة الأمد : حينما تستيقظ ضع لنفسك برنامجاً يومياً بأهداف صغيرة ممكنة الإنجاز في إطار خطة عمل طويلة الأمد لما تريد أن تفعله في قادم الأيام , الأهداف الكبيرة غير المبرمجة أو غير الواقعية تزيد فقط من إحباطك وتدفعك لليأس والإدمان.
- أطفئ الإشعارات والتنبيهات الصوتية : فإنها تدفعك للعودة إلى استخدام جوالك في أوقات تركيزك على أعمالك المهمة وتقطع عليك سلسلة أفكارك فَتُصاب سريعاً بالملل والضجر من العمل الذي كنت فيه , وهذا أمرٌ مثبتٌ علمياً (3).
- حدد أوقاتاً واضحة تتوقف فيها عن استخدام الجوال : كأن تُطفِئ جوالك في ساعات أو أيام محددة وأخبر أهلك وأصدقائك بذلك , فهذا أدعى لأن لا تقع في الحرج من عدم الرد ويمنحك ذلك دفعة قوية للالتزام بكلامك خوفاً من الخجل أمامهم أنك تقول مالا تفعل.
- تعمد ترك جوالك بعيداً عنك : حاول أن تترك جوالك في الغرفة عندما تريد تناول الطعام أو دعه في حقيبتك بدلاً من جيبك حينما تذهب إلى عملك , فأنت على الأرجح لست مضطراً لاصطحابه معك أينما ذهبت.
- استخدم الاتصال الصوتي بدلاً من التراسل النصي : التواصل عبر المكالمات الصوتية أكثر جدوى وأبلغ في إيصال المعلومة وأقل استهلاكاً للوقت وأضعف جاذبيةً واحتمالاً للتحول للإدمان.
- اعتمد في بعض مهامك على أجهزة ثانوية صغيرة : مثلاً استخدم جهاز iPod touch صغير كقاموس بدلاً من فتح جوالك الأساسي لترجمة الكلمات أثناء الدراسة أو ضع شريحتك الرسمي في هاتف صغير بدون مميزات للرد فقط على المكالمات بدلاً من هاتفك الأصلي إن أمكن , فإن ذلك سيخفف من ارتباطك وتعلقك بالجوال ويجنبك فتح الواتساب أو تويتر مثلاً عند ترجمة كل كلمة !
- استخدم ساعة يد لتُعلمك الوقت : بحيث تعتمد عليها بدلاً من فتح جوالك كلما أردت النظر إلى الساعة.
- . حاول الابتعاد عن قراءة القرآن من الجوال إن توفر حولك مصحف : وهذه النصيحة قد تكون مهمة في رمضان أو في غيره حتى لا تتعرض لزلات متكررة بتصفح تطبيقات الجوال أثناء القراءة.
فإن لم يكُن التوفيق حليفك في التخلص بعدها من إدمانك فإنك قد تكون هنا محتاجاً لمساعدةٍ من الطبيب أو المعالج النفسي السلوكي للانتصار على مكامن ضعفك.
المصادر :
- Herman MA and Roberto M (2015) The addicted brain: understanding the neurophysiological mechanisms of addictive disorders. Front. Integr. Neurosci. 9:18. doi: 10.3389/fnint.2015.00018
- Ewing JA. Detecting alcoholism. The CAGE questionnaire. JAMA. 1984;252(14):1905-1907. doi:10.1001/jama.252.14.1905
- David, Prabu & Kim, Jung-Hyun & Brickman, Jared & Ran, Weina & Curtis, Christine. (2014). Mobile phone distraction while studying. New Media & Society. 17. 10.1177/1461444814531692.